يعتبر خطوة الفيلم الأولى نحو قلب الجمهور .. «التريللر»

حول العالم

يعتبر خطوة الفيلم الأولى نحو قلب الجمهور ..
«التريللر» لحظات مشوقة وتاريخ لا ينضب

يلعب الإعلان الترويجي للأفلام أو ما يعرف باسم «تريللر» دوراً هاماً في تسويق الأفلام، ففي حين يعتبره البعض الخطوة الأولى للتعرف على ماهية الفيلم وأحداثه،

باتت تعتمده استوديوهات الانتاج طريقاً إلى قلب الجمهور، فمن خلاله تجتهد على جذبهم نحو أفلامها، لا سيما وأنها لم تعد في الآونة الأخيرة تقتصر في انتاجها على «تريللر» واحد فقط للفيلم،

وانما أصبحت تعتمد سياسة اصدار أكثر من «تريللر» للفيلم الواحد، وضمن أوقات مختلفة، وفي كل مرة تقدم فيه شيئاً مختلفاً عن المرة الماضية، ليكون ذلك على شاكلة بوسترات الأفلام، حيث تعمل الاستوديوهات على اصدار اكثر من بوستر للفيلم.

وبلا شك أن التريللر استطاع أن يخلق علاقة بين الجمهور والأفلام قبل طرحها بشكل رسمي للعرض، فمن خلاله بات الجمهور وحتى النقاد أكثر قدرة على الحكم من خلاله على نجاح الفيلم أو فشله، حتى قبل طرحه رسمياً للعرض،

ما أدى الى خلق سوق جديدة لهذه الكليبات، التي تمكنت من لفت انتباه النقاد ووسائل الإعلام والجمهور على حد سواء، باعتبارها مقدمة للحكم على الفيلم وقدرته على تحقيق النجاح. وتالياً نستعرض تاريخ الـ «تريللر» وكيفية تطوره منذ عام 1895 وحتى يومنا الحالي.

الميلاد الحقيقي
تشير الوثائق إلى أن ميلاد اعلانات الأفلام بدأ في 1895 بعد قيام المخترعين ماكس وإيميل سكالدانواسكي بعرض أفلامهما القصيرة في مسرح وينترغارتين في برلين الألمانية،

ليحولاه إلى سينما رسمية لأول مرة في التاريخ، في تلك الأيام، وقبل ظهور التريللر لم يكن هناك أي أفلام أخرى تُعرض في السينما بخلاف المقاطع الغريبة التي تشمل رجل يعطس،

لذلك قرر أصحاب دور السينما عرض الإعلانات التجارية لمساعدتهم في ملء الوقت وكسب الأموال، لتكون أولى ملامح ظهور الإعلانات التجارية في عام 1897، حين قامت شركة أديسون بإنتاج إعلان لشركة سجائر أدميرال.

ظهر أول اعلان للأفلام أو «تريللر» في عام 1912 وكان ذلك في نهاية سلسلة «مغامرات كاثلين» (The Adventures of Kathlyn)

واحتوى الاعلان على جملة واحدة فقط: «هل ستتمكن كاثلين من الهروب من عرين الأسد؟

شاهد معنا الفصل المثير في الأسبوع المقبل». وقد ساهم هذا الاعلان بفتح الباب أمام صناع الأفلام للتعريف بما سيقدمونه لاحقاً من أعمال، ومن بينهم نيل جرانلوند مدير الاعلانات في مسارح لويس الذي صنع في 1914 اعلان قصير لتشارلي شابلن

الذي كان آنذاك واحداً من أبرز النجوم في العالم.
ابتكار جرانلويد كان كفيلاً بفتح أعين هيئة التلفزيون الوطنية في نيويورك آنذاك، لتقرر في 1919 باحتكار عقود انشاء وتوزيع الأفلام والمواد الترويجية، وهو ما استمرت عليه لسنوات قبل أن تتاح الفرصة أمام الجميع لإنتاج الأفلام الترويجية.

العصر الصامت
في تلك الاثناء، كان لا يزال «العصر الصامت» هو المسيطر على كليبات «التريللر»، ليجد المنتجون في الصوت وسيلة جديدة لجذب الجمهور. بداية مغادرة «العصر الصامت» كانت مع تريللر فيلم (The Live Wire) لتشالرز هاينز في 1926،

والذي ادخل عليه أصوات الطقطقة التي ساهمت مع الأضواء المؤثرة بتقديم شكل جديد للتريلر.

ويعتبر المتخصصون أن تريللر فيلم «مغني الجاز» (The Jazz Singer) في 1927 هو الذي غير من وجه صناعة السينما في العالم،

حيث تم فيه اضافة الصوت الى الصور المتحركة، لا سيما وان كافة أشكال التريللر السابقة كانت تعتمد فقط على الصوت والنص وليس الصورة المتحركة، وقد ساهم تريللر «مغني الجاز» في استغناء استوديوهات الانتاج تماماً عن النصوص المكتوبة لمقاطع الإعلانات،

وإضافة بعض الإيقاعات الموسيقية الحيوية للجمهور بدلاً عنها، وبالتالي أصبحت الإعلانات أكثر جرأة وإثارة مقارنة مع السابق، حيث هدف التريللر آنذاك إلى تسليط الضوء على الابطال والمؤثرات الخاصة، الى جانب لمحة من حبكة الفيلم لإضفاء مزيداً من الاثارة والتشويق عليه، وهو ما اتبعه صناع تريللر فيلم «سيتزن كين» (Citizen Kane)

الذي جاء مغلفاً بالغموض ما دفع الجميع الى ارتياد السينما لمتابعة الفيلم.

هيتشكوك المتمرد
يرى الكثير من المتخصصين في السينما، أن المخرج الفريد هيتشكوك الذي يعد أحد أباء السينما العالمية،

كان أول المتمردين على أنظمة هيئة التلفزيون الوطنية في نيويورك، ليقدم من خلال ذلك تريللر خاص ومبتكر لفيلمه المشهور «سايكو» (1960)،

قاد خلاله الجمهور في جولة لا تزيد مدتها عن 6 دقائق عبر أروقة فندق بيتس الذي تدور فيه الأحداث، وضمّن الإعلان بعض المشاهد المثيرة للفيلم.

وفي السياق نفسه، جاء تريللر فيلم «دكتور سترينجلوف» (Dr. Strangelove) للمخرج ستانلي كوبريك فريداً من نوعه،

ومن خلاله تم القضاء تماماً على هيمنة هيئة التلفزيون الوطنية في نيويورك، واستخدم فيه تقنية جديدة كلياً في السينما،

حيث قام فيه بطرح مجموعة من الأسئلة على الجمهور الذي لم يجب عليها ابداً، عبر لقطات لكلمات مكتوبة متفرقة، تقطعها صور ثابتة من الفيلم، حيث كانت تقنية مركّبة ومثيرة للغاية، ساهمت في احداث صدمة قوية للعالم آنذاك. وعلى اثرهما دشن المخرج جان لوك غودار من خلال تريللر فيلم «بريثليس» (Breathless) ثورة جديدة في عالم التريللر.

طريقة تقليدية
وكما تمكن جيل المخرجين الجديد أمثال جورج لوكاس، فرانسيس فورد كوبولا، مارتن سكورسيزي،

وستيفن سبيلبرغ من تغيير شكل صناعة السينما بالكامل في عقد السبعينيات، استطاعوا ايضاً تغيير لعبة تسويق الأفلام، عبر ابتعادهم عن الطريقة التقليدية التي كانت متبعة في هوليوود قبل ذلك،

فمثلاً نجد أنه تم الاعتماد في تريللر فيلمي «لوف ستوري» (Love Story) و«العراب» (The Godfather) على التوضيح بأنها اقتبست من الروايات الأكثر مبيعا، ففي الوقت الذي اعتمد فيه «العراب» على تقديم لمحات قصيرة عن عائلة كورليوني، نجد أن «لوف ستوري» لعب على وتر الموسيقى التصويرية،

حيث اُستخدمت فيه تقنية الصور الثابتة للقطات رومانسية للبطلين مع خلفية موسيقية تخطف القلوب، والمثير للانتباه أن هذه التقنية وضعت التريللر في خانة الاعلانات الخالدة، الى جانب تريللر الفيلم الفرنسي (La Jetee) للمخرج كريس ماركر.

ظهور تريللر فيلم (Jaws) في 1975 ساهم بإحداث ثورة جديدة في هذا العالم، فمن خلال 3 دقائق و21 ثانية استعرضت قصة الفيلم بأكملها مع حفظ النهاية، استطاع المخرج أن يفرض تأثير فيلمه على الجمهور،

وقد نجح في ذلك بأن احتل الفيلم المركز السابع في قائمة الأفلام الأعلى ايراداً في تاريخ السينما.
تريللر فيلم Jaws

روبوت قاتل
مع نهاية عقد الثمانينات، بدأت الاستوديوهات بطرح تريللر تقليدي ولكن بنسخ عديدة وفي أوقات مختلفة، وقد ساهم في ذلك تمكن السينما من رفع نسبة الأرباح، وتنبهت الاستوديوهات آنذاك إلى ضرورة أن يكون التريللر نسخة مختصرة من الفيلم، ليبدو «التريللر»

بأنه حارق فعلي للفيلم، وهو ما أثبته تريللر فيلم «تيرمنيتر 2» الذي كشف عن حبكة الفيلم الكامنة في تحول شوارزينغر من الروبوت القاتل للبطل العادل.

خلال السنوات الأخيرة استطاع التريللر أن يعزز من مبيعات الأفلام، وأن يكون في بعض الأحيان مطلوباً أكثر من الفيلم نفسه، مثل تريللر فيلم «ميت جوي بلاك»

(Meet Joe Black) الذي كان مؤثراً أكثر من الفيلم، وقد أدى ذلك الى رفع اهتمام النقاد بالتريللر، وتخصيص مراجعات له، في حين أن العديد من المواقع المتخصصة في السينما أصبحت تفرد له مساحات كبيرة، فلا يكاد أي خبر عن فيلم يخلو من التريللر الخاص به، وذلك لما يلعبه من دور في تعريف الجمهور به وبأبطاله.